يحتفل العالم هذا الأسبوع بعيد ميلاد نيلسون مانديلا ال 93 بإعتباره واحدا من أعظم من أنجبت البشرية على مر العصور، وإليه يرجع الفضل للحفاظ على وحدة بلده جنوب أفريقيا لأنه وضع مصلحة بلده فوق رؤيته الشخصية الضيقة بإعتباره زعيم السود فى جنوب أفريقيا وأيضا وضع مصلحة وإستقرار جنوب أفريقيا فوق رغبة الإنتقام من عنصرية البيض تجاهه شخصيا وتجاه أغلبية شعبه من السود، والبعض يضع مانديلا فى نفس مستوى الزعامة مع غاندى، وكلاهما من عظماء البشرية ولكن يتميز مانديلا بأنه رغم معاناته فى السجن الظالم لمدة 27 عاما خرج وقاوم أقرانه الذين كانوا يريدون الإنتقام من ظلم البيض (هل عمرك تخيلت أن تسجن ليلة واحدة ظلما؟؟) لكن مانديلا سجن حوالى عشرة آلاف ليلة ظلما، ورغم ذلك فتح قلبه وعقله ويديه لزملاء الوطن والذين ظلموه من البيض، وأسس ما أسماه بلجان الحقيقة والتسامح، وقال يجب أن نعرف حقيقة ما حدث وبعد ذلك نسامح من ظلم. وتميز مانديلا عن غاندى بأن غاندى لم يتول أى منصب سياسى ولكن مانديلا تولى سلطة رئيس جمهورية جنوب أفريقيا وإختبر السلطة ولم تلف رأسه بل سلم السلطة لمن بعده وهو فى قمة المجد، وكان فى إستطاعته أن يظل فى السلطة حتى اليوم، وبسبب مانديلا حصلت جنوب أفريقيا على تنظيم كأس العالم الماضى، وبسبب مانديلا حصلت جنوب أفريقيا على وضعها فى أفريقيا والعالم، وبسبب نيلسون مانديلا لم تحدث حرب أهلية فى جنوب أفريقيا بين البيض والسود.
وأنا أود أن أنشر تلك الرسالة ليقرأها فى مصر كل الذين نسوا الكلام عن الدستور والإنتخابات والأحزاب والتنمية والمشاريع القومية وإلى كل الذين يطالبون بالإنتقام والقصاص فى مصر وكأن ثورة مصر كان الهدف منها الثأر وليس العدالة والحرية، لقد تحول مسار الثورة وأصبحت وكأنها quot;عركةquot; فى صعيد مصر ومجرد عملية ثأر بين القديم والجديد، وفجأة أصبحت كلمة quot;الإستقرارquot; كلمة أبيحة، وتم إتهام كل من يطالب بالإستقرار (وأنا منهم) بأنه من quot;فلول الثورةquot;، وبدون الإستقرار لن يكون هناك إستثمار أو سياحة أو وظائف جديدة ولو حدثت ثورة الجياع (لا قدر الله) هل ستلومون نظام مبارك أيضا، وهل ستتحقق مقولة مبارك لتبرير إستمراره فى الحكم والتى كان يرددها للغربيين والأمريكان دائما: quot;إما أنا... أو الفوضىquot;. وعلى أى الأحوال فإن ما يقوله مانديلا للثوار سبق أن ردده القليل من العقلاء فى مصر (وأنا منهم أيضا)، ولكن أن يجئ من صاحب واحد من أعظم التجارب الإنسانية فإن له وزن آخر، وأرجو أن نفهم رسالة مانديلا، وكل عام وأنت بخير يا مستر مانديلا وعقبال ميت سنة وسنة حلوة ياجميل.



نص رسالة نشرها نيلسون مانديلا، وجهها إلى ثوار مصر وتونس خاصةً، وثوار العرب عامةً، يقول فيها:
أعتذر أولاً عن الخوض في شؤونكم الخاصة، وسامحوني إن كنت دسست أنفي فيما لا ينبغي أن تقحم فيه.
لكني أحسست أن واجب النصح أولاً، والوفاء ثانيًا لما أوليتمونا إياه من مساندة أيام قراع الفصل العنصري يحتمان علي رد الجميل وإن بإبداء رأي محّصته التجارب وعجمتْه الأيامُ وأنضجته السجون.
أحبتي ثوار العرب؛ لا زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح. كان يومًا مشمسًا من أيام كيب تاون. خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف عام.
خرجت إلى الدنيا بعدما وُورِيتُ عنها سبعًا وعشرين عامًا لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد ورغم أن اللحظة أمام سجن فكتور فستر كانت كثيفة على المستوى الشخصي إذ سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن، إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي حينها هو:
كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلاً؟
أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم. لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم.
إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم.
فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي.
أو على لغة أحد مفكريكم ndash;حسن الترابي- فإن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل.
أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء، كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم يميل إلى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة.
ذاك أمر خاطئ في نظري.
أنا أتفهم الأسى الذي يعتصر قلوبكم وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة، إلا أنني أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة، فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج. فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمينة وغياب التوازن. أنتم في غنى عن ذلك، أحبتي.
إن أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غنى عنه الآن
عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائياً، ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة.
أعلم أن مما يزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة، لكن الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته
إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير.
أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت ldquo;لجنة الحقيقة والمصالحةrdquo; التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.
إنها سياسة مرة لكنها ناجحة.
أرى أنكم بهذه الطريقةndash; وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات القائمه من طبيعة وحجم ما ينتظرها.
تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا ndash; كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني اليوم.
أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: ldquo;اذهبوا فأنتم الطلقاءrdquo;.

نلسون روهلالا ماندلا
هوانتون ndash;جوهانزبيرغ

(الله ينور عليك ياعم نيلسون)
(أخذت هذا الرسالة مترجمة من بعض المواقع العربية، ولكنى لم أستطع الحصول على النسخة الإنجليزية الأصلية، وأرجو من أحد القراء أن يرسل لى النسخة الإنجليزية إن توفرت)
[email protected]